فإذاً: حينئذٍ من حقنا أن نفترض ونقول: إذا كان الذين كتبوا التوراة تعمدوا حذفها وإنزالها من المتن -الذي كان يفترض أن يكون لدينا الآن في الترجمة السبعينية أو غيرها- إلى الحاشية أو إلى الشروح ثم يُنحّى ويُقصى شيئاً فشيئاً، فمعنى ذلك: أن التأثير النفسي؛ تأثير العنصرية أو تأثير التعلق بالأرض وبالتراب وبالذهب وبما يقولون: إنها تفيض لبناً وعسلاً وما أشبه ذلك، هذا التعلق هو العقيدة الدافعة الأصلية التي تسيطر وتهيمن دائماً عليهم عندما يكتبون ما يكتبون أو يحررون ما يحررون؛ فيحذفون ويحرفون في كلام الله تبارك وتعالى وفي أخبار أنبيائهم.
هذه الحقيقة الواضحة -أيها الإخوة- نجدها عندما نستعرض كتب الأنبياء من حزقيال أو أشعياء أو أرمياء وغيرهم إلى آخر الأنبياء -البضع والعشرون سفرا ًكثير منها منسوبة إلى الأنبياء- نجد هذه الظاهرة؛ أن كل نبي ينعى على قومه ويصرخ في وجوههم قائلاً: لقد عبدتم المنحوتات, لقد عبدتم المسكوكات, لقد انتكستم في عبادتكم لغير الله تبارك وتعالى، ولكن هذا يمضي ولا فائدة فيه! يعني: سواء قال: إن الله أمرنا أن نبلغكم -كما في بعضها- أو هو أنكر عليهم فالكلام يمضي والانحراف يستمر ويتراكم؛ حتى أنهم -كما رأينا- نسبوا إلى الأنبياء الكرام أنهم من دعاة الوثنية؛ كما حدث في نسبة صناعة العجل الذهبي الرب المزعوم إلى هارون عليه السلام نفسه، وكما حدث لسليمان عليه السلام حين نسبوا إليه أن الآلهة عُبدت في بيته، وأن نساءه من الأجنبيات ومن الأمميات من الأقوام الوثنية, فجعلوه يرضى بهذه العبادة الوثنية في بيته.
هذه الحادثة عندما نتأملها لا تُلقي ظلال الشك على قصة الخليل وحده, وإنما على كثير مما في التوراة ، مما لا يقبل التعليل والتعليق أو التأمل العقلي, أو التاريخي الصحيح العلمي الموضوعي المتجرد يرفض هذا الحصر, وهذا الحكر, وهذه القومية وهذا العنصرية، ولا يجد حلاً لكثير من الثغرات الموجودة في هذا الكتاب أو في قضاياه التاريخية التي يعرضها.
أضف تعليقا
تنويه: يتم نشر التعليقات بعد مراجعتها من قبل إدارة الموقع